الكاتب: محمد ابو نظير
إن الإسلام قد عنى أعظم العناية بالتعلم وحث أمته على
طلب العلم وإعمال العقل والبحث والتفكير فى كل ميدان من ميادين المعرفة وكل مجال
من مجالات الحيات وما ذلك إلا لأن العلم قوة الحيات وأساس النهضات وعماد الحضارات
ووسيلة التقدم للأفراد والجماعات والإسلام دين الحيات الصالح لكل عصر ومكان وهو
دين ودنيا، عيادة وحياة وليس كالمذاهب التى تقتصر على العبادة والزهادة وربط
الإنسان بالعلم الآخر وإنما هو دين جامع كما يربط الإنسان بالقيم والخلق والعبادة،
يتغلغل فى صميم الحيات، ويضع القواعد التى تكفل السعادة للبشر على ظهر الأرض.
وشريعة الإسلام قائمة على العلم وداعية إليه فى كل أمور
الدين أو أمور الحيات ومعجوة رسول الإسلام كانت كتابا يتلألأ بالعلم الصحيح
والمعرفة الحقة. وفى أول آية نزلت منه دعوة إلى التعلم وتقديس لشأن المعرفة،
وتنويه بقيمة القلم والقرأة لأنهما سلم المعرفة وطريق الوصول إلى العلم. قال الله
تعالى : ﴿إقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذى علم
بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم﴾ (سورة العلق:1-5).
قد اقسم الله بالقلم لما له من عظيم الأثر فى محو الأمية
ورفع مستوى الثقافة والمعرفة، فقال تعالى: ﴿ن والقلم وما يسطرون﴾ (سورة القلم:1)
وقد كرم الله الإنسان على سائر الحيوان بالعلم. وبقدر ما
يحمل الإنسان من العلم يكون فضله ومقداره، فالعلم من خصائص الإنسان، فإذا تخلى عنه
فقد تخلى عن إنسانيته، ولما كان العلم يسمو بالإنسان ويرفع قدره فقد أمرالله
الملائكة بالسجود لآدم- وهمأشرف خلقه – لما فضله به عليهم من العلم والمعرفة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان قدوة الداعين إلى
التعلم بأقواله وأفعاله حتى جعل التعلم فريضة لازمة لكل فرد، لتصحيح عقيدته
وعبادته وتفهم شئون حياته، فقال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) (رواه ابن
ماجه)
وفى توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى طلب
العلم بين لهم شرف السعى إليه، والجزاء المنتظر لهم يوم القيامة فقال: ( إن
الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم وضا بما يصنع) (رواه احمد وابن والحاكم)، وقال:
(من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة) (رواه مسلم).
ومن أفعال صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى التعلم أنه
حرر بعض أسرى بدر على أن يعلموا طائفة من المسلمين القرأة والكتابة.
ولم تكن دعوته إلى التعلم مقصورة على الرجال، بل كانت
للرجال والنساء، فقد أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه طلب (الشفاء) الصحابية
الكاتبة – لتعلم زوجه حفصة تحسين الخط وزخةفته.
وعلى هذا النهج النبوى الكريم سار الأصحاب والأتباع
والسلف الكريم يوجهون النشء إلى التعلم، لينشأوا صالحين لأنفسهم وللأمة التى
يعيشون بينها. يقول مصعب بن الزبير لإبنه: "تعلم العلم فان يكن لك مال كان لك
جمال، وأن لم يكم لك مال كان لك مالا". ويقول عبد الملك ابن مروان لبنيه: "يا
بنى تعلموا العلم فان كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطا سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم".
والأمة التى لم تحط بالعلم المثمر فى كل
ميدان من ميادين حياتها لا مكان لها بين الأمم..إذ التسابق والتسارع بين الأمم فى
مجال العلم الحديث رهيب وعنيف، يجعل الأمم المتخلفة التى لم تأخذ بأسباب الحضارة
ضعيفة وذليلة. والإسلام ينادى أمته ويحثها على السبق فى كل مضمار حذرا من ضياعها
وتأخرها فيقول ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) ﴾ (الزمر: 9).
والله عز وجل قد لفت أنظار الناس إلى الكون وما فيه،
ليتعرفوا أسراره ويتخرجوا كنوزه، حيث إنه مسخر وميسور للباحثين والعاملين، قال
تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ (لقمان:20).
كما أنه أشار إلى تعلم الصناعات وكل ما يتوقف عليه العمران، فقد خلق الحديد، وبيّن
أنه فسه قوة لصد المعتدين، ومحاربة الظالمين، فيه منافع للناس، يصنعون منه ما
يلائم عصورهم من عجائب المصنوعات، ودقيق الآلات: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ
شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ (الحديد:25). ويقول عز وجل : ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الانفال:60). وإعداد القوة يقتضى تعلم صناعة الذخائر
الحربية، والتدريبات العسكرية التى تلائم كل عصر ةتساير كل نهضة، ويقول تعالى: ﴿ أَفَلَا
يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ
(18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ
(20) ﴾ (الغاشية:17-20).
والإسلام هو الدين الوحيد الذى أُسس على العلم فى عقائدة
وشرائعه، فعقيدة التوحيد لايقبلها الله إلا
إذا كانت مبنية على العلم. ولذلك يقول تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ﴾ (محمد:19). وذكر أن أهل العلم هم والملائكة الذين يشهدون بوحدانيته: ﴿شَهِدَ
اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا
بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (آل عمران: 18).
والعلم بتوحيد الله يدرك بصدق البحث، وإنعام النظر: ﴿ لَوْ
كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (الانبياء:22). ﴿ وَمَا كَانَ
مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ﴾ (المؤمنون:91).
والدين الذى بنى
على العلم يجعل السعى فى طلبه أعظم أنواع العبادات. يقول النبى صلى الله عليه
وسلم: (قَلِيْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيْرِ الْعِباَدَةِ )رواه الطبرانى.
كما أن العبادة التى لم يكن أساسها علما من كتابب أة سنة
لاخير فيها ولا قيمة لها عند الله عز وجل، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (فَقِيْهٌ
واَحِيْدٌ أَشَدٌ عَلىَ الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عاَبِدٍ) رواه الترمذى. وخطر
الجهل وخيم على الأفراد والجماعات، وقديما قال الجهال من قوم موسى حينما رأوا
قارون فى زينته وكبره، زماله وغروره : ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (القصص:79)
ـ حسبوا أن الحياة مطعم ومشرب وملبس وزينة. ولو تعلموا لعرفوا أن الحياة
مثل وقيم ومبادئ وعمل لرضا الله ونهضة الحياة. ولذلك أدركهم أهل العلم من جهالتهم
: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ
آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ (القصص:80).
والإسلام يدعو إلى الرحلة فى طلب العلم، إذا لم يتيسر
إلا فى مكان بعيد، يقول تعالى: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122). والأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع ما
لهم من علم وفير، ومعارف جمة، كانوا يشدون الرحال إلى طلب العلم ويجوبون القفار
بغية المزيد منه، يقول تعالى لنبيِّه :
﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: 114).
سمع موسى عليه السلام أن فى الكون عبدا أعلم منه فسار
إليه طويلا حتى التقى به، وطلب منه العلم بأدب واستعطاف قائلا: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ
عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ
مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) ﴾
(الكهف: 66-69).
Posting Komentar